بعد هذا الصخب المطول الذي دار حول
"أولاد حارتنا", قررتُ جعلها أول ما اقرأ من روايات للكاتب الأيقونة
نجيب محفوظ.
ولأنها الأولى فحسب, ولأنه كاتبٌ أفنى قرناً
إلا قليلاً في الكتابة, فسوف يكون من الإجحاف أن أُطلق حكماً قاطعاً على الكاتب
وأسلوبه بعد هذه الرواية فقط.
تناولت "أولاد حارتنا" الحديث عن
قصة حارة الجبلاوي وما مرَّ عليها من أولادٍ عظماء. وتبدأ القصة بالجبلاوي نفسه
الذي أسس بيتاً كبيراً تحيط به حديقةُ غناء في وسط منطقة صحراوية! وبدأت العثرة
حين اصطفى الجبلاوي أصغر ابناءه "أدهم" لإدارة الوقف دوناً عن إخوته
الأكبر منه, مما أثار حفيظة الأخ الأكبر "إدريس" والذي أعلن رفضه لقرار
والده بشكلٍ علني, فقام الجبلاوي بطرده بلا رحمةٍ من بيته. وكما كُتب للشقيِّ أن
يكون استمر "إدريس" في صبِّ ويلاته على البيت الكبير بأسره حتى أغوى
"أدهم" بارتكاب أُمِّ المعاصي إذ حرضه على الاطلاع على كتابِ والدهم في
غيابه. وبتحريضٍ من زوجته "أميمة", استجاب لطلب "إدريس" لكنَّ
الوالد يكتشفُ سوءة "أدهم" و زوجته فيطردهما معاً من جنتهِ إلى الخلاء!
وتستمر الرواية فيما يتجاوز الخمسمائة صفحة
في سرد سيرة أهل الحارة والتي تمثل الصراع الدائم بين الخير والشر. ويتضح لنا كيف
أنَّ القصة برمتها ما هي إلا إسقاط لقصة الله _تباركَ وتعالى_ وقصة آدم وإبليس,
ويكمل نجيب هذا الإسقاط على قصص الأنبياء في بقية الشخصيات: فجاء "جبل"
ليرمز لموسى عليه السلام, و"رفاعة" هو عيسى. وأخيراً "قاسم" هو
محمد صلى الله عليه وسلم. كما عرجَّ
الكاتب أيضاَ على قصة قابيل وهابيل من خلال "قدري" و "همام"
ابنيّ "أدهم" في الرواية.
وقد كان هذا الإسقاط مكمن الخلاف بين النقاد
الذي جعلوا لهذه الرواية نصيباً من نقدهم وقراءاتهم. وما أراه شخصياً هُنا كان
استغلالاً قدم لمحفوظ قالباَ جاهزاً يبني عليه قصةَ تدور حول صراع الدين والعلم.
ولربما كان لهذا الإسقاط الدور الأكبر في تسرب الملل إلى نفسي أثناء القراءة؛ إذ
أنني كنتُ أًلمُّ بالنهاية قبل أن أصل إليها!
كلُّ هذا لا ينفي كون أسلوب الرواية أسلوباً
مشوقاً متيناً ومتسلسلاً وقادراً على جذبكَ معه حتى النهاية, كما وكان مُشجعاً
جداً على أن اقرأ المزيد من الكتب لنجيب محفوظ.