الخميس، 19 أبريل 2012

حتى أنتَ يا يوسف؟


الجامعة الإسلامية - غزة

لن أنسى أبداً كيف اغرورقت عينا أمي بالدموع, وكيف اختال أبي فخوراً يوم تخرجي الميمون. ولم أشعر أنا سوى بانتشاء المنتصر بعد معركةٍ دارت رحاها لأربع سنوات على التوالي. ولم يُكلل ذاك كُله إلا مجموعيَ الذي أهَّلَني لأكون معيدةً في جامعتي العريقة.

لمْ يُبارحني سوءُ الطالعِ طوالَ حياتي, فكان أمرُ هذه النعمة التي أغدقني بها الله مدعاةً لمفاجئتي! ولكنني استبشرتُ خيراً لعلَّ الحظَّ قد تغيرَ فعلاً هذه المرة وإلى الأبد. وفي اليوم الأول من عملي ودعتني أمي وهي تعلق عليَّ دعائها ليحرسني من أعين الحاسدين, وذهبت إلى الجامعة لأستقبل مباركات كلِّ من صادفني. و اعتراني الزهو حقاً بما أنا فيه الآن_ ولكنها البداية فقط!

لا أدري كم مضى من الوقت حقاً قبل أن تنكسر تلك القشرة الزائفة التي تخبئ كلمة "معيد" تحتها, فبكل بساطة المعيد هو أدني المخلوقات في السلسلة العُمَّالية في الجامعة! وحتى الآذنة "أم أنس" كانت ترمقنا دوماً_ نحن المعيدات_ بتلكَ النظرة المُشفقةِ لحالنا. فنحنُ مجرد عاطلين عن العمل, وفّرت لهم "مستعمرة" وكالة الغوث "بطالةً مُقنعة" لمدة عام, تَقبضُ فيها "أم أنس" وحدها ضعف ما نقبض نحن في سنتنا اليتيمة هذه!

ولمْ يقتصر الأمر على "أم أنس" وحدها بل تعدى الأمر إلى الطلبة الذين نشاركهم محاضراتهم مع الأستاذ الذي وُجدنا لنساعده, وانقسمت الطالبات في هذا الأمر إلى فئتين: طالباتٌ يخطبنَّ ودنا ظناً منهم أننا نملكُ من أمرِ الدرجات شيئاً, وطالباتٌ يتصيدنَّ الزلات البريئة التي قد نقعُ فيها ليبدأ بعدها سيلُ التجريح: "معيدة وبتغلط", "على إيش صارت معيدة", "معيدة وشايفة حالها" ...الخ.

وليزداد الأمر بلةً, تجدُّ كل الأساتذة يسخرون منكَ سراً, ويُسخِّرونكَ علناً. ومجرد امتعاضٍ قد يظهر على محياكَ أمامهم, يدفعهم إلى تذكيركَ أنكَ محضُ طالبٍ لفحته ريحُ حظٍ فغدا معيداً بائساً.

بعد يومٍ مُنْهكٍ حتى الثمالة, أعودُ مثقلةَ بوطأة ذاك الذل/ الشرف. يستقبلني يوسف_ابن الجيران ذي الثماني سنوات. يزيحُ عني كلَّ الهم ببراءة عيونه الضاحكة, يقف أمام باب بيتي, يسألني
- " من وين روحتي؟"
  "من الجامعة".
 "بتُدرسي مع منار أختي؟"
   "لأ يا يوسف, أنا معيدة".
-  " يعني شو معيدة؟ سقطتي بمادة و بتعيديها؟".
-    ...

ابتلعتُ الغصَّةَ ومضيت.

تمت



هناك 5 تعليقات:

  1. فعلا أمر يشعر بالغصة
    فلا أنسى معيدتنا التى عملت شهرين فى معمل الكلية المحوسب
    وأنا طاالب أشفقت على مدى استهتار الموظف المثبت بالواسطة وعلمها يسوى علمة 100 مرة ولا يسمح لها أن تظهر أفهم منه فلا يتركها تدرس الطلبة ليكونا سواءا فى العلم الذى يقدمونه للطلبة
    تبا له ولأمثاله

    ردحذف
  2. يوميات تدخلنا لنقد الواقع والإشارة بالأصابع لمكامن الخلل المفهومي في مجتماعتنا ، فالمعيد هو من تفوق في دراسته فكان من باب أولى ان يكون شكل التعامل معه على مدى قدراته التي أهلته ليكون الأول على دفعته الدراسية
    العنوان يعطينا انطباع شكسبيري ، فكان يوسف "بروتس" هو الأقرب للقلب ولكن كانت منه الضربة الأخيرة لمسيرة يوم المعيد الأسود

    ردحذف
  3. ان مشهد الشئ اقل ارهابا مما يخلق الوهم ..

    ردحذف
  4. غاليتي نور ..

    أشدّ على يدكِ ..
    لا تيأسي ..
    و أنتِ قلتها منذ البداية ،
    الله معكِ ،
    و سوء الطالع بعيدٌ عنكِ ..

    صحيحٌ أن مجتمعنا فيه الكثير من الخلل ،
    وا ا الأخطاء و المفاهيم التي بحاجةٍ إلى تصحيح ..

    لذلكَ علينا تصحيحها كلٌ في مكان عمله ،
    و كل وفق استطاعته ..

    دمتِ بكل الأمل بالتغيير ..

    تحيآاتي لكِ ..

    ردحذف
  5. وصف دقيق وجميل وفقك الله ...^_^
    ودعى الكلاب تعوي والقافلة تسير

    ردحذف